يشكي الشباب من آبائهم وطريقتهم في التعامل معهم حيث يقولون:
* "يرى أنه كي أصبح رجلاً، فإن عليَّ أن أصبح شديد القسوة مع من حولي".
* "يعيرني أمام كل من أعرف ومن لا أعرف من أصدقائه بأنه وفرّ لي أرغد حياة مع أنه أستاذ جامعي من المفترض أن يفهم نفسيتي جيدًا".
* "يظن أنه حين يضربني ضربًا شديدًا سأغير سلوكي.."
تلك هي شكاوى الأبناء من الآباء، فهل نعق أولادنا ثم نتوقع منهم البر والطاعة؟
رأي التربويين
1-
تربية الأبناء فن وعلم، وما انحرف الأبناء وانجرفوا في تيارات الضلال إلا بعد أن استقال الآباء والأمهات عن الإلمام بقواعد هذا الفن والعلم.
القواعد تمنحك الحلول حتى لا تلجأ لرفع الصوت والضرب والشتم، وهي تساعد الآباء
والمربين على فهم العملية التربوية والتدخل بشكل إيجابي لحل المشاكل.
وتقوية الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل واكتشاف المواهب وصقلها بدل تدميرها وكبتها.
2-الأصل في علاقة الابن بأبيه أن الأب متقدم عن الابن في الوجود، وبالتالي فهو أوسع إدراكًا، وأكثر خبرة، وأعلم بالمصلحة، وواجب عليه شرعًا أن ينقل كل هذا لابنه، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا قُوْا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَارًا وَقُوْدُهَا النَّاسُ والْحِجَارَة.."، وهناك مقولة للإمام علي – كرم الله وجهه - تقول ما معناه – "درِّبُوا أبناءكم على غير ما اعتدتم؛ فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، ويكمل د. جودة فيقول: ولكن ينبغي ألا تفهم هذه المقولة خطأ فالتطور له مظهران: أولاً: ما يتعرض لظاهرة الشكل: وهو ما نراه من تقدم علمي وتكنولوجي من تلفاز وقنوات محلية وفضائية، وفيديو، وكمبيوتر وإنترنت وما إلى ذلك، يجب أن ندرب أبناءنا على التعامل مع كل هذه الأجهزة.
أما الذي ينكر الزكاة، ويمنع ابنه عن حقه في ماله مثل: إخوته لأنه طيب وما إلى هذا، فهو ذنب عظيم، وضَّحُه تعالى في سورة النساء بعد ذكر آيات المواريث "وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُوْدَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيْها وَلَهُ عَذَابٌ مُهِيْن".
أما الأب الذي يسيء لنفسه قبل ابنه، أو يتعمد الخير لنفسه، بتكرار زواجه، ويَدَع ابنه الشاب حيرانًا، ومن لا يحسن التصرف، إذا كان هذا طبع فيه، هنا نطالب الأبناء بأن يلزموا حدود التحمل، فطاعة الوالدين فرض عين في الإسلام، واحترام الوالدين يلي حق الله سبحانه "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.."، على الأبناء أن يتحملوا ولهم جزيل الأجر والثواب عند الله عزوجل، يقول تعالى:" وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيْرًا"، وإلا فسوف يحل العقوق بهم، وهو ذنب عظيم، وكبيرة نرجو ألا تحل بهم.
المِجْهَر الأُسُرَي..!
أما د. فكري عبد العزيز – مستشار الطب النفسي والأعصاب وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية فيقول: نحن في عصر متغير فعلاً عن الذي تربينا كآباء فيه، عصر فيه المعلومات أكسبت الأبناء قدرات تفوق الآباء.
هذا "اللبس الاجتماعي" حله في وجهة نظر د. فكري في "المهجر الأسري" رؤية الآباء للأبناء عبر مختلف مراحل عمرهم، من مرحلة مبكرة، فالحقيقة تقول إن سيكولوجية النمو تبدأ من مرحلة الرضاعة حتى عامين، ثم الطفولتان المبكرة والمتأخرة، المجهر الأسري يبدأ من سن السنوات السبع في النشاط، والمتابعة الدورية من الوالدين. وكأن الصغير من سن السنوات السبع تحت "مكيروسكوبهما" فهي سن التمييز أو "الحمرة والجمرة على حد تعبير الإمام علي كرم الله وجه"، هذا المجهر يخلق القدرة الإنسانية على التواصل بصورة "تواكب" التقدم الهائل، وتزيد، فتربطهما بالابن أكثر، حينما يتواصل معه في مرحلة اكتساب الصفات في المدرسة، ويرى فيه القدرة على مبادلته العطاء النفسي، ثم المرحلة الأهم والأخطر التي نسميها في قاموس علم النفس، "مرحلة الولاء الجديدة" المراهقة، ومتابعة التغيرات في مختلف النواحي تؤثر على القدرات العقلية.. من هنا لو كسب الآباء والأبناء في صفهم، بالقدرات الإنسانية، بالدين أولاً ثم التقارب الأسري الاجتماعي، يكون الأب خير منصت للابن، يحترم قدراته، استيعابه لمعلومات عصر جديدة، وطرق تعامله، ولا يخجل الأب من أن يغيِّر من فهمه النفسي بما يواكب زمن الابن، من هنا يتحقق المجهر الأسري، ويتغلب الأب على كل الصعوبات التي تحول دونه ودون ابنه.